أتساءل ما الذي يَلزم الفنّان الذي يكرّس وقتا طويلا من عمره للفنّ في الجزائر حتى يلقى العناية و الاهتمام، بالأخصّ إذا ما باغته المرض و أبعده عن الوسط الفنّي و عن الأضواء حتى تكاد الأجيال الجديدة لا تعرفه.
هذا التساؤل طرحته على نفسي حين وُجهتْ لنا في شهر رمضان دعوة لحضور تكريم عميد الأغنية الصحراوية البدوية الفنّان الكبير خليفي أحمد من طرف بلدية سيدي امحمّد بالجزائر العاصمة و هذا بتاريخ 21رمضان 1431ه الموافق ل31أوت 2010م الطبعة الخامسة لتظاهرة "برنوس سيدي امحمد" التي خصّصتها البلدية للفنّانين.
و سافرت الى الجزائر العاصمة و كلّي شوق للقاء الفنّان الكبير خليفي أحمد صاحب رائعة "قلبي اتفكر عربان رحالة"، كان الحفل بمقرّ البلدية و كان راقيا و متميّزا حضره عدد كبير من الفنّانين الجزائريين نذكر منهم : فريدة صابونجي ، عمّار العسكري ، بهية راشدي ، عايدة كشود ، محمد عجايمي ، سعيد حلمي ، عمر زلوم المعروف بقريقش، و فوزي صايشي المعروف برميمز ، حضر الحفل أيضا الأستاذ الطاهر بن عيشة و عبد النور شلوش ، قاسي تيزي وزو، إضافة الى فنّانين آخرين و موسيقيين و مخرجين منهم أمينة كسار ، عبد الحميد طيطاش و عبد الحميد رابية.
كما حضرت عائلة الفنّان الكبير ، حضر الأبناء و الأحفاد ، لكن هو تعذّر عليه الحضور ، المرض كان أقوى منه ، هكذا أعلن لنا السيد مختار بوروينة رئيس بلدية سيدي امحمد و دعا الابن الأكبر للفنّان محمد الأمين ليرتدي "برنوس سيدي امحمد" نيابة عن والده .
كانت لحظة مؤثرة تقدّم فيها محمد الأمين إلى الميكرفون ليقول: هذا البرنوس أكبر منّي ، بعد عودتي مباشرة إلى البيت سأسلّمه لصاحبه .
كما شكر البلدية على المبادرة و الفنّانين على الحضور ، قال لهم : طيلة تواجد والدي في الساحة الفنّية تعامل مع كلّ الفنّانين بمحبّة و تواضع و وفاء و ها هم اليوم في ليلة العرفان هاته يبادلونه الحبّ بالحبّ بهذا الحضور.
و فعلا لمسنا هذا الحبّ الكبير من الفنّانين للأستاذ خليفي أحمد ، خاصة عندما حضرت الفنّانة نوال زعتر متأخرة عن الحفل بسبب إلتزامها مع حصة إذاعية ، دخلت بعفويتها و طيبتها لتسلّم على عائلة الفنّان و هي تؤكد لهم بأنّها لا يمكن أن تتأخر عنهم أبدا مهما كانت الظروف و في كلّ الأحوال ، لن تتأخر عن هذا الرجل الذي يحبه و يحترمه كلّ الفنّانين.
خلال حفل التكريم عرضت جمعية أضواء فيلما وثائقيا من إخراج عمّار رابيا كان ثريا بشهادات الأصدقاء و الأبناء و بقصيدة رائعة أهداها له الفنان محمد عجايمي إضافة الى تسجيلات تلفزيونية نادرة للمخرجين مينة كسار و عبد الحميد طيطاش حول مسيرة الفنان خليفي أحمد .
و الاسم الحقيقي للفنّان خليفي أحمد هو أحمد عباس ولد عام 1921 بسيدي خالد بولاية بسكرة حفظ نصف القرآن و هو صغير السن ، كما تأثّر بخاله الشيخ بن خليفة الذي كان مداحا و يشرف على مجموعة صوتية لفوج صوفي تابع لزاوية الرحمانية
استقرّ في عام 1941م بقصر الشلالة أين التقى بأحد الموسيقيين الذي لقنه فن الموسيقى هو الذي كان يملك الإستعدادت الطبيعية لذلك
بعد عامين غادر قصر الشلالة متوجها الى الجزائر العاصمة التي مكنته من إرساء شهرته أولا بصفته مؤديا للمدائح الدينية في مسجد سيدي امحمد بحي بلوزداد و فيما بعد كقائد للفرقة الموسيقية البدوية بالاذاعة.
كان الأستاذ البودالي سفير قد أسس ضمن هذه المؤسسة خمس فرق موسيقية ، و خلال الحصة الإذاعية "من كل فن شوي " للأستاذ محمد نجيب حشلاف برز اسمه لدى المستمعين و الجمهور ، كما سمحت له هذه الحصة أن يتعرف على بعض شعراء الملحون من بينهم الشيخ عيسى بن علال الذي كتب له "قلبي اتفكر عربان رحالة"و التي نال بها نجاحا باهرا.
شارك أيضا في حصة إذاعية أخرى كان يقدّمها الشيخ رحاب الطاهر و التي كانت تتناول مواضيع الغناء البدوي . في هذه الفترة تميّز فيها بأغنية من التراث و هي "قمر الليل" و التي بفضلها تمكن مرّة أخرى من الحصول على نجاح كبير و زادت شعبيته و زاد إقبال الجمهور على أغانيه الأصيلة .
من الجوائز التي حصل عليها الأستاذ خليفي أحمد الجائزة الأولى في المهرجان الوطني للأغنية الجزائرية الذي تمّ تنظيمه في شهر جوان عام 1966م بمدينة وهران ، و كان الشيخ خليفي أحمد من بين المشاركين في الأسبوع الثقافي الجزائري بباريس عام 1972م، كما شارك في عدد لا يستهان به من الحفلات الفنّية التي تمّ تنظيمها عبر العالم العربي.
تحصّل الشيخ خليفي أحمد على امتيازات من السلطات العليا للبلدان التي زارها و من المؤسسات المختصة في ميدان الحفاظ و تنمية التراث الوطني.
بفضل صوته الجوهري القوي الساحر استطاع خليفي أحمد أن يمثّل وحده و طيلة نصف قرن النوع البدوي المعروف بالأياي و هو لون جزائري محض.
انسحب الأستاذ خليفي أحمد من الساحة الفنّية بسبب المرض بعد مشاركتين متميّزتين الأولى في الأسبوع الثقافي الأول الذي نظّم بالمملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر من عام 1987م و الثانية في تظاهرة موسيقية نظّمت بالمغرب الشقيق في جويلية من عام 1988م.
كانت ليلة العرفان ، ليلة تكريم عميد الأغنية الصحراوية خليفي أحمد ليلة لا تنسى أبدا ، كانت ليلة الوفاء من الفنانين الذين أدلوا بشهاداتهم حول طيبة خليفي أحمد و حضوره المبهر على الشاشة و قدراته الصوتية الكبيرة التي أهلته للتربع على عرش الأغنية الصحراوية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire