انتفاضة 18 أفريل 1945 قصر الشلالة.. أو الشرارة الأولى للثورة الجزائرية أحداث ماي الدموية تحولت الى ثورة حقيقية ويعتبرها المؤرخون النزهاء نقطة انطلاقة ثورة التحرير، ولأن تلك المجازر العرقية التي ارتكبتها الدولة الفرنسية لم تحاسب عليها الجمهورية الرابعة ورئيسها الجنرال ديغول، كما أن آلاف الشهداء الذين سقطوا خلال تلك الأيام لم تنصفهم الدولة الجزائرية التي حرمتهم في تصنيفها من قائمة الشهداء.
انتفاضة ماي الشعبية كانت شرارتها الأولى انتفاضة مواطني قصر الشلالة يوم 18 أفريل1945 ومنها تم نفي مصالي الحاج الى برازافيل، ليتمكن ديغول وحكومته إلى إعادة سيادة فرنسا بفضل تضحيات الحلفاء والجنود الجزائريين من وضع خطة المذبحة التي أريد بها إطفاء صوت الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال. لقد كانت قصر الشلالة عاصمة الجزائر السياسية عندما كانت فرنسا عاصمتها الجزائر.
فمن سجن "لامبيز" تازولت حاليا حوّل زعيم الحركة الوطنية "مصالي الحاج" إلى مدينة قصر الشلالة، ليجعل منها بؤرة نشاط سياسي وطني، حيث كان يستقبل هناك العديد من الشخصيات المنتمية إلى تيارات سياسية مختلفة، ما عدا الحزب الشيوعي الجزائري، الذي رفض الانخراط في حركة أحباب البيان والحرية.
وأول تظاهرة شعبية على التراب الوطني وقعت يوم 07 أفريل ,1945 بقصر الشلالة، وانتهت بأناشيد وطنية "فداء الجزائر"، الأمر الذي أثار المسيّر الإداري لتلك البلدية المختلطة، الذي أشعر سلطات الاحتلال المركزية، وشدد الرقابة على أعضاء حزب الشعب الجزائري.
الشلالة يوم 18 أفريل 1945
عرفت مدينة قصر الشلالة نشاطا كثيفا، حيث استقبلت المدينة مسيّري إدارات البلديات المختلطة، قيادا وباشاغات، جاءوا من مناطق الهضاب الأغواط، بسكرة، أفلو، تيارت، سيدي بلعباس، سعيدة ومدية)، لانتخاب مجلس العشابة، وكان هذا الجمع يرأسه (بريفي) مقاطعة الجزائر العاصمة، وصادف هذا التجمع السياسي يوم سوق بالمدينة، وكان الغليان في أوجه حيث أعطت السلطات الأمر بإلقاء القبض على 4 مسؤولين محليين لحزب الشعب الجزائري، من المحيطين بمصالي الحاج، وهم: "سعد دحلب"، "مناصري محمد"، "عبد الرحمن محمد" و"زيتوني علي".
لكن الجماهير التي كانت مكتظة في الطريق الرئيسي منعت قوات الشرطة من إدخال المناضلين الأربعة في سيارة الشرطة، وتصاعد الغضب وأجبر رجال الجندرمة والحرس المتنقل على التخلي عن مأموريتهم، وإطلاق سراح مصالي الحاج.
وعندما علمت السلطات الفرنسية بهذا التمرد الشعبي قررت وضع حد للتجمع، وعندما حاول نائب والي الجزائر الالتحاق بالعاصمة، قطعت سيارته الطريق بصعوبة، مقابل سد بشري. وأوقف أحد مواطني قصر الشلالة سيارة نائب والي الجزائر وقام بتفتيشه على مرأى من سكان الشلالة، الذين كانوا يضحكون، ولم تجرؤ قوات الأمن على التدخل، تفاديا للانفجار والثورة، ووقع تفاوض هادئ للسماح لنائب الوالي بالعودة إلى الجزائر، وكان ذلك تحديا من سكان قصر الشلالة، إذ تحدوا ممثلين كبار للسيادة الفرنسية.
وكتب الحاكم العام في تقريره: 'لقد فقدت فرنسا الواجهة، فقد كان ذلك مساسا خطيرا بهيبتنا".
وبعد يومين، عادت السلطات الفرنسية إلى قصر الشلالة بقوة، للانتقام، ووضعت المدينة في حالة حصار، شارك فيه الجيش، الشرطة القضائية، وشرطة الاستعلامات العامة التي انتشرت في المدينة، لتمتلئ مقرات الجندرمة بالمعتقلين "المشتبه فيهم".. استنطاقات، اعتداءات، تعذيب، إهانات، دامت أربعة أيام كاملة، أما زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج فتم نفيه إلى برازافيل، وتطورت الأحداث التي كانت شرارتها قصر الشلالة يوم 18 أفريل ,1945 لتعلن مايا دمويا خلال مظاهرات الفاتح والثامن من ماي ,1945 لتعرف الجزائر أبشع الجرائم الجماعية التي ارتكبت في قالمة وسطيف وخراطة، إضافة إلى حملات اعتقال واسعة في كل مدن البلاد.
في 26 جويلية ,1939 ثلاثة أيام قبل انفجار الحرب العالمية الثانية، قامت السلطات الاستعمارية بحل حزب الشعب الجزائري، وبدأ نقاش حول الموقف والتوجيه الذي يجب إتباعه نحو قوات المحور، وكان مصالي يسير الحزب من السجن، وكان موقفه مؤيدا لمجموعة المناضلين الرافضين لأي تعامل مع ألمانيا الهتلرية، وكان على رأس هذه المجموعة الدكتور "لمين دباغين" والمناضل "أحمد بودة"، في حين كان تيار آخر من حزب الشعب متعاطفا مع المحور، وعلى رأسه "سي الجيلاني" و"عمار خيدر"، وبعد إطلاق سراحه كان على مصالي أن يأخذ موقفا من الحرب المشتعلة، وعلى عكس فرحات عباس، الذي كتب في جريدة" لانطانت" (الوفاق): "مكاني هو تحت العلم مع رفاقي في الفيلق".
في حين كتبت جريدة "الأمة": "إن إفريقيا الشمالية لا يربطها بفرنسا أي إحساس، اللهم إحساس حقد راكمه قرن من الاحتلال في قلوبنا. باسم الجمهورية الفرنسية، ستون مليون كائن يعيشون تحت أنواع الاستعباد، إن وطننا هو المغرب ونحن مجندون له حتى الموت.. وإذا كانت رغبة العيش كرجال أحرار معناها أن نكون مناهضين لفرنسا فنحن كذلك، وسنبقى هكذا دائما.. الاستعمار الفرنسي قد ينتهي وجوده عندنا، دون أي أثر عدا ذكرى كابوس..".
وتم منع جريدة الأمة وصحيفة البرلمان الجزائري، التي أصدرها مصالي الحاج من سجن الحراش، وتم إيقاف مصالي الحاج مرة أخرى 33 يوما بعد إطلاق سراحه، مع المناضلين "مبارك فيلالي"، "عمار بوجريدة"، لتبدأ في 04 أكتوبر 1939 مسيرة السجون، المعتقلات، والمنافي.. ولم يطلق سراحه إلا سبع سنوات بعد ذلك.
وحاولت الحكومة الفرنسية العميلة للألمان (فيشي) جر مصالي الحاج للعمل مع حكومة الماريشال بيتان، وحسب بنجامين سطورا، فإن اقتراحات وصلت إلى مصالي في 17 جوان 1940 عن طريق وسيط القائد العسكري لسجن ميزون كاري ـ الحراش، ثم في نوفمبر1940 عن طريق المناضل مفدي زكريا، ثم مرة ثالثة في ديسمبر من السنة نفسها عن طريق محامي مصالي "علي بومنجل"، وكان النقيب "شون" من مصلحة "اتصالات شمال إفريقيا" SNLA مكلف بإنجاح هذه العمليات، لكن مصالي دافع بقوة عن قناعاته، وقال لبومنجل: "قل لـشون إن تصريحي سأقوم به أمام المحكمة العسكرية، كما قوبلت اقتراحات الألمان عن طريق "المهدي" بالرفض ذاته، فعاد إلى برلين خائب المسعى"، وكان مصالي يردد: "أطلقوا سراحي، أطلقوا سراح أصدقائي ورفاقي، اتركوا الشعب الجزائري يعيش، وسنرى بعد ذلك".
وجاء في شهادة للمناضل "عمر أوصديق" وردت في كتاب "أصول الأفالان" للمؤرخ محمد حربي: "بالنسبة لنا كان دور لمين دباغين هو التحضير للثورة، وكنا نحن نعترف بقوة بدور الزعامة والقيادة لمصالي الحاج، وهذا لسببين: الأول إصراره ودقته في رفض إتباع قوات المحور، والثاني موافقته على الكفاح المسلح". (ص 164).
17 مارس 1941: بدأت محاكمة مصالي الحاج الذي دافع عن شرفه وقناعات 20 سنة من الكفاح، وقال: "أريد من خلال شخصي البسيط إعادة الاعتبار إلى شعب أهين وأصبح غير معروف". (المصدر نفسه).
وعن اقتراحات التعامل التي قدمها القضاة، كان رد مصالي بسيطا، إذ شمّر كمي قميصه ومد يديه ثم قال: "في هذه العروق يغلي دم عربي، وهذا الدم يرفض كل الإهانات، ليـُنطق بعدها بـ16 سنة من الأعمال الشاقة، 20 سنة نفيا، التجريد من الحقوق المدنية، وحجز كل الممتلكات السابقة واللاحقة، بتهمة التظاهر ضد السيادة الفرنسية والمساس بأمن الدولة".
والمفارقة الكبيرة أن هذا الحكم الصادر عن محكمة فيشية، محكمة الدولة الفرنسية العميلة للألمان، كان قاعدة قانونية للقمع والمضايقات التي عرفها مصالي بعد ذلك.
في الجزائر، أصبحت محاكمة مصالي الحاج محاكمة للاستعمار، ولن تبقى كلمات الزعيم حبيسة قاعة المداولات، وحين النطق بالحكم امتلأت جدران العاصمة بالشعارات الكتابية "يحيا حزب الشعب".. "تحيا الحرية".. "أطلقوا سراح مصالي".. وتم تحويل مصالي ورفاقه إلى سجن لامبيز، حيث قضى أحلك أيام حياته، في السجن الانفرادي، وحلق شعره وحاجباه، وكانت رجله مغلولة بكرة حديدية ثقيلة، وكان يقوم بالأشغال الشاقة في حقول الحلفاء.
ويتواصل النضال..
وبعد نزول القوات الإنجليزية والأمريكية بالجزائر، ستة أشهر، أطلق سراح مصالي الحاج في 26 أفريل ,1943 على غرار الديغوليين والشيوعيين والديمقراطيين، الذين حكمت عليهم محاكم (فيشي).
لكن مصالي أجبر بحكم قرار منع الإقامة على البقاء في قصر البخاري، مع وعود تحريره في غضون شهرين، وخلال تحويله توقف بسطيف والتقى فرحات عباس، الذي كانت له اتصالات بالقائد الجهوي لحزب الشعب "لمين دباغين"، وألح فرحات عباس على زيارة مصالي الحاج، وكان لقاء حسب شهادة المناضل محمد ممشاوي، حضره الشيخ البشير الإبراهيمي، رئيس جمعية العلماء وموريس لابور، وصرح عباس لمصالي علنا: "مصالي.. بالأمس كنت ضدك، وكنت مناصرا متحمسا للإدماج، وحاربتك، والأحداث بينت أنكم كنتم على صواب، وبينت إننا كنا مخطئين، واليوم أنا أثق فيك واتبعك". وكان هذا اللقاء بداية للقاءات أخرى بين الرجلين، اللذين التقيا في شهر ماي حيث اقترح مصالي لعباس ملحقا للبيان ما يلي: "مع نهاية الحرب، تكون الجزائر دولة جزائرية لها دستورها الخاص، الذي تصيغه جمعية تأسيسية جزائرية منتخبة بالاقتراع العام من طرف كل سكان الجزائر".
وبفضل الملحق، الذي قدمه مصالي تم الانتقال من مفهوم "الجنسية الجزائرية" الوارد في بيان فيفري إلى "الأمة الجزائرية"، ومن فكرة دستور ممنوح إلى جمعية تأسيسية.
وإذا كانت الحكومة قد قبلت البيان في مارس 1943 كقاعدة للإصلاحات المقبلة، وتمت دراسته من طرف "لجنة الدراسات لشؤون المسلمين"، فإن ملحق مصالي تم رفضه من قبل الجنرال "كاترو" في جوان .1943
وفي ديسمبر من العام نفسه، وقع لقاء آخر بين مصالي وعباس للسماح لحزب الشعب الجزائري بإمكانية الانخراط، حيث أن البيان سيكون حركة وليس حزبا، وبهذه المناسبة قال مصالي لعباس: "إني أثق فيك، من أجل تحقيق جمهورية جزائرية مرتبطة بفرنسا، ولكني لا أثق أبدا في فرنسا، وفرنسا لن تعطيك شيئا.. فهي لن ترضخ إلا للقوة، ولن تعطي إلا ما ننتزعه منها".
ولم تستحسن الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية التي يرأسها الجنرال ديغول، التقارب بين خصوم الأمس، حيث نقلت في العاشر من ديسمبر مصالي الحاج بالقوة إلى عين صالح، في معتقل تحت الحراسة العسكرية ليل نهار، وفي 04 جانفي 1944 أعيد إلى قصر الشلالة، حيث استدعي لتقديم توضيحات أمام لجنة الإصلاحات الإسلامية، وأكد مصالي رفضه لكل محاولة إدماج، وأعاد رفضه لاقتراحات فيوليت وبيتان وديغول، وطالب ـ كشرط للتفاوض ـ تحرير كل رفاقه المسجونين.
07 مارس 1944: صدر مرسوم يمنح حق المواطنة لـ60 ألف جزائري، وحق الانتخاب للمسلمين الجزائريين في Deux coll�ges، وبهذا، منحت للجزائريين ما رفضته لهم سنة .1936
مصالي يبارك حركة أحباب البيان والحرية
في 14 مارس 1944: ولدت حركة أحباب البيان والحرية، وقرر مصالي مساندة الجمعية، وأعطى مناضليه أوامر بالانخراط فيها، وبدأ مناضلو حزب الشعب الجزائري وسط صفوف أحباب البيان يروجون لاستقلال الجزائر، ما دفع بفرحات عباس إلى التصريح: "لقد وصلنا إلى أن بعض العناصر التي تعلن عن نفسها أنها من حركتنا تتحدث عن استقلال الجزائر، وإذا تأكد هذا فإن هذه العناصر لا تخدم حركتنا، وتخون إيديولوجيتنا".
وفي 02 أفريل، ,1945 خلال الندوة المركزية لأحباب البيان والحرية، ظهرت غلبة توجه حزب الشعب في البيان العام، ولم تبق المسألة "جمهورية مستقلة ذاتيا مرتبطة فيدراليا بفرنسا" ، بل إنشاء برلمان وحكومة جزائرية.
وعبّر المؤتمر بأغلبية كبيرة عن رفضه الاستقلال تحت السيادة الفرنسية، في إطار نظام فيدرالي فرنسي، وقرر أن يحفظ للدولة الجزائرية المستقبلية الانضمام للنظام الذي تراه ملائما. 19 أفريل 1945: اختفى مصالي الحاج من مقر إقامته الجبرية في قصر الشلالة، وذهب إلى مكان كان له فيه موعد، محدد مسبقا، لكنه لم يجد أحدا، وعندما عاد وجد المدينة مكتظة بالجيش بسبب أحداث 18 أفريل الانتفاضة التي قام بها مناضلو حزب الشعب بمناسبة زيارة "لوي بيريلي" والي الجزائر، أوقفته الشرطة واستجوبته، ثم حولته إلى المنيعة لينقل إلى برازافيل يوم 23 أفريل .1945
ويبقى السؤال كما طرحه مؤرخون أمثال بنجامين سطورا: هل كان هروب مصالي من إقامته الجبرية حلقة في مخطط ثورة لم تتم؟ المؤكد أن وحشية القمع والملاحقات والتراجعات بعد ثورة الثامن ماي، إضافة إلى الأزمات والضغوط التي عاشتها الحركة الوطنية بعد ,1946 أي حزب الشعب سريا، والحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية علنيا، لم تسمح بدراسة وتحليل حلقة ثورة 08 ماي 1945 التي لا يختلف عاقلان في أنها كانت منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر، بل هي البداية الحقيقية للثورة التحريرية الجزائرية، وهو أيضا ما تنشره الدراسات التاريخية الحديثة، وتكشفه الوثائق الأرشيفية، التي بدأت تتحرر من ثقل السرية في السنوات الأخيرة. المهم، فإن مصالي الحاج أوضح في تقريره لمؤتمر "هورنو" سنة ,1954 وكما ورد في كتاب بنجامين سطورا "مصالي الحاج رائد الوطنية الجزائرية"، إن فكرة الثورة عرضها عليه المناضلان "حسين عسلة" و"لمين دباغين"، واتخذت إجراءات لتهريب القائد مصالي الحاج وحمايته في ضيعة نواحي سطيف، هي ملك لعائلة "مايزة"، وكان من المقرر أن تكون هذه الضيعة مقرا لحكومة مؤقتة، وكلف المناضل "سي بناي واعلي" عضو مكتب التنظيم بالتكفل بهذه العملية.؟
أوبترون منتصر
bien
RépondreSupprimer